الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)} {سَأَلَ سَآئِلٌ} دعا داع {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}.
{لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)} {للكافرين لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} هو النضر بن الحرث قال «اللهم إن كان هذا هو الحق» الآية.
{مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)} {مِنَ الله} متصل بواقع {ذِي المعارج} مصاعد الملائكة وهي السَّماوات.
{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} {تَعْرُجُ} بالتاء والياء {الملائكة والروح} جبريل {إِلَيْهِ} إلى مهبط أمره من السماء {فِى يَوْمٍ} متعلق بمحذوف، أي يقع العذاب بهم في يوم القيامة {كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} بالنسبة إلى الكافر لما يلقى فيه من الشدائد، وأما المؤمن فيكون عليه أخف من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا كما جاء في الحديث.
{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)} {فاصبر} وهذا قبل أن يؤمر بالقتال {صَبْراً جَمِيلاً} أي لا جزع فيه.
{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)} {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ} أي العذاب {بَعِيداً} غير واقع.
{وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)} {ونراه قَرِيباً} واقعاً لا محالة.
{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)} {يَوْمَ تَكُونُ السمآء} متعلق بمحذوف أي يقع {كالمهل} كذائب الفضة.
{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)} {وَتَكُونُ الجبال كالعهن} كالصوف في الخفة والطيران بالريح.
{وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)} {وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} قريب قريبه لاشتغال كلّ بحاله.
{يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)} {يُبَصَّرُونَهُمْ} أي يبصر الأحماء بعضهم بعضاً ويتعارفون ولا يتكلمون، والجملة مستأنفة {يَوَدُّ المجرم} يتمنى الكافر {لَوْ} بمعنى أن {يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} بكسر الميم وفتحها {بِبَنِيهِ}.
{وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)} {وصاحبته} زوجته {وَأَخِيهِ}.
{وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)} {وَفَصِيلَتِهِ} عشيرته لفصله منها {التى تُئْويِهِ} تضمه.
{وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)} {وَمَن فِى الأض جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} ذلك الافتداء عطف على يفتدي.
{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)} {كَلاَّ} ردّ لما يودّه {إِنَّهَا} أي النار {لظى} اسم لجهنم لأنها تتلظى، أي تتلهب على الكفار.
{نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)} {نَزَّاعَةً للشوى} جمع شواة وهي جلدة الرأس.
{تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)} {تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وتولى} عن الإِيمان بأن تقول: إليَّ إليَّ.
{وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)} {وَجَمَعَ} المال {فأوعى} أمسكه في وعائه ولم يؤدّ حق الله منه.
{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)} {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً} حال مقدّرة، وتفسيره.
{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)} {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً} وقت مس الشر.
{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)} {وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} وقت مس الخير أي المال لحق الله منه.
{إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)} {إِلاَّ المصلين} أي المؤمنين.
{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)} {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ} مواظبون.
{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)} {والذين فِى أموالهم حَقٌّ مَّعْلُومٌ} هو الزكاة.
{لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)} {لَّلسَّآئِلِ والمحروم} المتعفف عن السؤال فيُحْرَم.
{وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)} {والذين يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدين} الجزاء.
{وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27)} {والذين هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} خائفون.
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)} {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} نزوله.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)} {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون}.
{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)} {إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} من الإِماء {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}.
{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)} {فَمَنِ ابتغى وَرآءَ ذلك فأولئك هُمُ العادون} المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)} {والذين هُمْ لأماناتهم} وفي قراءة بالإِفراد، ما ائتمنوا عليه من أمر الدين والدنيا {وَعَهْدِهِمْ} المأخوذ عليهم في ذلك {راعون} حافظون.
{وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)} {والذين هُم بشهاداتهم} وفي قراءة بالإفراد {قَآئِمُونَ} يقيمونها ولا يكتمونها.
{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)} {وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} بأدائها في أوقاتها.
{أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)} {أولئك فِى جنات مُّكْرَمُونَ}.
{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)} {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ} نحوك {مُهْطِعِينَ} حال، أي مديمي النظر.
{عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)} {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال} منك {عِزِينَ} حال أيضاً، أي جماعات حلقاً حلقاً، يقولون استهزاء بالمؤمنين: لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم.
{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38)} قال تعالى: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امرئ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ}.
{كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)} {كَلاَّ} ردع لهم عن طمعهم في الجنة {إِنَّا خلقناهم} كغيرهم {مِّمَّا يَعْلَمُونَ} من نطف فلا يطمع بذلك في الجنة، إنما يطمع فيها بالتقوى.
{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)} {فَلا} لا زائدة {أُقْسِمُ بِرَبِّ المشارق والمغارب} للشمس والقمر وسائر الكواكب {إِنَّا لقادرون}.
{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)} {على أَن نُّبَدِّلَ} نأتي بدلهم {خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بعاجزين عن ذلك.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)} {فَذَرْهُمْ} اتركهم {يَخُوضُواْ} في باطلهم {وَيَلْعَبُواْ} في دنياهم {حتى يلاقوا} يلقوا {يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ} فيه العذاب.
{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)} {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} القبور {سِرَاعاً} إلى المحشر {كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ} وفي قراءة نَصْبِ، شيء منصوب كعلم أو راية {يُوفِضُونَ} يسرعون.
{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)} {خاشعة} ذليلة {أبصارهم تَرْهَقُهُمْ} تغشاهم {ذِلَّةٌ ذلك اليوم الذى كَانُواْ يُوعَدُونَ} ذلك مبتدأ وما بعده الخبر، ومعناه يوم القيامة.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)} {إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ} أي بإنذار {قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ} إن لم يؤمنوا {عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم في الدنيا والآخرة.
{قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)} {قَالَ ياقوم إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} بيّن الإِنذار.
{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)} {أَن} أي بأن أقول لكم {اعبدوا الله واتقوه وَأَطِيعُونِ}.
{يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)} {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} من زائدة فإن الإِسلام يُغْفَرُ به ما قبله، أو تبعيضية لإِخراج حقوق العباد {وَيُؤَخِّرْكُمْ} بلا عذاب {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أجل الموت {إِنَّ أَجَلَ الله} بعذابكم إن لم تؤمنوا {إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ذلك لآمنتم.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)} {قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً} أي دائماً متصلاً.
{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)} {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآءِى إِلاَّ فِرَاراً} عن الإِيمان.
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)} {وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أصابعهم فِى ءَاذانِهِمْ} لئلا يسمعوا كلامي {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} غطوا رؤوسهم بها لئلا ينظروني {وَأَصَرُّواْ} على كفرهم {واستكبروا} تكبروا عن الإِيمان {استكبارا}.
{ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)} {ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} أي بأعلى صوتي.
{ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)} {ثُمَّ إِنِّى أَعْلَنْتُ لَهُمْ} صوتي {وَأَسْرَرْتُ} الكلام {لَهُمْ إِسْرَاراً}.
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)} {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ} من الشرك {إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}.
{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)} {يُرْسِلِ السمآء} المطر وكانوا قد مُنِعُوه {عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} كثير الدرور.
{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)} {وَيُمْدِدْكُمْ بأموال وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جنات} بساتين {وَيَجْعَل لَّكُمْ أنهارا} جارية.
{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)} {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً}؟ أي تأملون وقار الله إياكم بأن تؤمنوا.
{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)} {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} جمع طور وهو الحال، فَطَوْرَاً نطفة وطوراً علقة إلى تمام خلق الإِنسان، والنظر في خلقه يوجب الإيمان بخالقه.
{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15)} {أَلَمْ تَرَوْاْ} تنظروا {كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سماوات طِبَاقاً} بعضها فوق بعض.
{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} {وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ} أي في مجموعهن الصادق بالسماء الدنيا {نُوراً وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً} مصباحاً مضيئاً وهو أقوى من نور القمر.
{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)} {والله أَنبَتَكُمْ} خلقكم {مِّنَ الأرض} إذ خلق أباكم آدم منها {نَبَاتاً}.
{ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)} {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} مقبورين {وَيُخْرِجُكُمْ} للبعث {إِخْرَاجاً}.
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19)} {والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً} مبسوطة.
{لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)} {لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً} طرقاً {فِجَاجاً} واسعة.
{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)} {قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى واتبعوا} أي السفلة والفقراء {مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ} وهم الرؤساء المنعم عليهم بذلك، و«وُلْد» بضم الواو وسكون اللام وبفتحهما، والأول قيل جمع (وَلَد) بفتحهما ك (خُشْبٍ) وخَشَبٍ، وقيل بمعناه: (كَبُخْلٍ) و(بَخَلٍ) {إَلاَّ خَسَارًا} طغياناً وكفراً.
{وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)} {وَمَكَرُواْ} أي الرؤساء {مَكْراً كُبَّاراً} عظيماً جداً بأن كذبوا نوحاً وآذوه ومن اتبعه.
{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)} {وَقَالُواْ} للسفلة {لاَ تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً} بفتح الواو وضمها {وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} وهي أسماء أصنامهم.
{وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)} {وَقَدْ أَضَلُّواْ} بها {كَثِيراً} من الناس بأن أمروهم بعبادتها {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ ضلالا} عطفاً على «قد أضلوا» دعا عليهم لما أوحي إليه {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ} [36: 11].
{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)} {مِّمَّا} ما صلة {خطيئاتهم} بالهمز وفي قراءة خطاياهم {أُغْرِقُواْ} بالطوفان {فَأُدْخِلُواْ نَاراً} عوقبوا بها عقب الإِغراق تحت الماء {فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ} أي غير {الله أَنصَاراً} يمنعون عنهم العذاب.
{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)} {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} أي نازل دار، والمعنى أحداً.
{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)} {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} من يفجر ويكفر، قال ذلك لما تقدّم من الإِيحاء إليه.
{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} {رَّبِّ اغفر لِى ولوالدى} وكانا مؤمنين {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ} منزلي أو مسجدي {مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} إلى يوم القيامة {وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً} هلاكاً فأهلكوا.
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1)} {قُلْ} يا محمد للناس {أُوحِىَ إِلَىَّ} أي أخبرت بالوحي من الله تعالى {أَنَّهُ} الضمير للشأن {استمع} لقراءتي {نَفَرٌ مِّنَ الجن} جنّ نصيبين وذلك في صلاة الصبح ببطن نخل، موضع بين مكة والطائف، وهم الذين ذكروا في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الجن} [29: 46] الآية {فَقَالُواْ} لقومهم لما رجعوا إليهم {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَاناً عَجَبَاً} يتعجب منه في فصاحته وغزارة معانيه وغير ذلك.
{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} {يَهْدِى إِلَى الرشد} الإِيمان والصواب {فَئَامَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ} بعد اليوم {بِرَبِّنَآ أَحَداً}.
{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)} {وَأَنَّهُ} الضمير للشأن فيه وفي الموضعين بعده {تعالى جَدُّ رَبِّنَا} تنزه جلاله وعظمته عما نُسب إليه {مَا اتخذ صاحبة} زوجة {وَلاَ وَلَداً}.
{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)} {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} جاهلنا {عَلَى الله شَطَطاً} غلوًّا في الكذب بوصفه بالصاحبة والولد.
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)} {وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن} مخففة، أي إنه {لَّن تَقُولَ الإنس والجن عَلَى الله كَذِباً} بوصفه بذلك حتى تبيّن كذبهم بذلك.
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)} قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ} يستعيذون {بِرِجَالٍ مِّنَ الجن} حين ينزلون في سفرهم بمخوف فيقول كل رجل أعوذ بسيد هذا المكان من شر سفهائه {فَزَادوهُمْ} بعوذهم بهم {رَهَقاً} طغياناً فقالوا سدنا الجنّ والإِنس.
{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)} {وَأَنَّهُمْ} أي الجنّ {ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ} يا إنس {أن} مخففة من الثقيلة، أي أنه {لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً} بعد موته.
{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)} قال الجنّ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء} رُمنا استراق السمع {فوجدناها مُلِئَتْ حَرَساً} من الملائكة {شَدِيداً وَشُهُباً} نجوماً محرقة وذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم.
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)} {وَأَنَّا كُنَّا} أي قبل مبعثه {نَقْعُدُ مِنْهَا مقاعد لِلسَّمْعِ} أي نستمع {فَمَن يَسْتَمِعِ الأن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً} أي أرصد له ليرمى به.
{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)} {وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ} بعدم استراق السمع {بِمَن فِى الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} خيراً؟.
{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)} {وَأَنَّا مِنَّا الصالحون} بعد استماع القرآن {وَمِنَّا دُونَ ذلك} أي قوم غير صالحين {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} فرقاً مختلفين مسلمين وكافرين.
{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)} {وَأَنَّا ظَنَنّآ أَن} مخففة من الثقيلة أي أنه {لَّن نُّعْجِزَ الله فِى الأرض وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} أي لا نفوته كائنين في الأرض أو هاربين منها في السماء.
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)} {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الهدى} القرآن {ءَامَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ} بتقدير هو بعد الفاء {بَخْساً} نقصاً من حسناته {وَلاَ رَهَقاً} ظلماً بالزيادة في سيئاته.
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)} {وَأَنَّا مِنَّا المسلمون وَمِنَّا القاسطون} الجائرون بكفرهم {فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تَحَرَّوْاْ رَشَداً} قصدوا هداية.
{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)} {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} وقوداً وأنا وأنهم وأنه في اثني عشر موضعاً هي وأنه تعالى (وأنا منا المسلمون) وما بينهما بكسر الهمزة استئنافاً وبفتحها بما يوجه به.
{وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)} قال تعالى في كفار مكة {وَأَنْ} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي وأنهم وهو معطوف على أنه استمع {لَوْ استقاموا عَلَى الطريقة} أي طريقة الإِسلام {لأسقيناهم مَّآءً غَدَقاً} كَثيراً من السماء وذلك بعد ما رفع المطر عنهم سبع سنين.
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} {لِّنَفْتِنَهُمْ} لنختبرهم {فِيهِ} فنعلم كيف شكرهم علم ظهور {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ} القرآن {نَسْلُكُهُ} بالنون والياء ندخله {عَذَاباً صَعَداً} شاقاً.
{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} {وَأَنَّ المساجد} مواضع الصلاة {لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ} فيها {مَعَ الله أَحَداً} بأن تشركوا كما كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا.
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)} {وَأَنَّهُ} بالفتح والكسر استئنافاً والضمير للشأن {لَّمَا قَامَ عَبْدُ الله} محمد النبي صلى الله عليه وسلم {يَدْعُوهُ} يعبده ببطن نخلة {كَادُواْ} أي الجنّ المستمعون لقراءته {يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} بكسر اللام وضمها جميع لبدة كاللبد في ركوب بعضهم بعضاً ازدحاماً حرصاً على سماع القرآن.
{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)} {قُلْ} مجيباً للكفار في قولهم (ارجع عما أنت فيه) وفي قراءة قال {إِنَّمَآ ادعوا رَبِّى} إلهاً {وَلآ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً}.
{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)} {قُلْ إِنِّى لآ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً} غياً {وَلاَ رَشَداً} خيراً.
{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)} {قُل لَّن يُجِيرَنِى مِنَ الله} من عذابه إن عصيته {أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ} أي غيره {مُلْتَحَدًا} ملتجأ.
{إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} {إِلاَّ بلاغا} استثناء من مفعول أملك، أي لا أملك لكم إلا البلاغ إليكم {مِنَ الله} أي عنه {ورسالاته} عطف على بلاغاً وما بين المستثنى منه والاستثناء اعتراض لتأكيد نفي الاستطاعة {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} في التوحيد فلم يؤمن {فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خالدين} حال من ضمير من في «له» رعاية لمعناها، وهي حال مقدّرة، والمعنى يدخلونها مقدّراً خلودهم {فِيهَآ أَبَداً}.
{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)} {حتى إِذَا رَأَوْاْ} حتى ابتدائية فيها معنى الغاية مقدر قبلها أي لا يزالون على كفرهم إلى أن يروا {مَا يُوعَدُونَ} به من العذاب {فَسَيَعْلَمُونَ} عند حلوله بهم يوم بدر أو يوم القيامة {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} أعواناً، أهم أم المؤمنون؟ على القول الأول، أو أنا أم هم؟ على الثاني، فقال بعضهم: متى هذا الوعد؟ فنزل.
{قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)} {قُلْ إِنْ} أي ما {أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ} من العذاب {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّى أَمَداً} غاية وأجلاً لا يعلمه إلا هو؟.
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} {عالم الغيب} ما غاب عن العباد {فَلاَ يُظْهِرُ} يُطلع {على غَيْبِهِ أَحَداً} من الناس.
{إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} {إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ} مع إطلاعه على ما شاء منه معجزة له {يَسْلُكُ} يجعل ويسير {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} أي الرسول {وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} ملائكة يحفظونه حتى يبلغه في جملة الوحي.
{لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)} {لِيَعْلَمَ} الله علم ظهور {أن} مخففة من الثقيلة أي أنه {قَدْ أَبْلَغُواْ} أي الرسل {رسالات رَبِّهِمْ} روعي بجمع الضمير معنى من {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} عطف على مقدر، أي فعلم ذلك {وأحصى كُلَّ شَئ عَدَداً} تمييز وهو محوّل عن المفعول والأصل أحصى عدد كل شَيْءٍ.
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} {ياأيها المزمل} النبي وأصله المتزمّل أدغمت التاء في الزاي، أي المتلفف بثيابه حين مجيء الوحي له خوفاً منه لهيبته.
{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)} {قُمِ اليل} صلّ {إِلاَّ قَلِيلاً}.
{نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)} {نِّصْفَهُ} بدل من «قليلاً» وقلّته بالنظر إلى الكل {أَوِ انقص مِنْهُ} من النصف {قَلِيلاً} إلى الثلث.
{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)} {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} إلى الثلثين، وأو للتخيير {وَرَتِّلِ القرءان} تثبت في تلاوته {تَرْتِيلاً}.
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} {إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً} قرآناً {ثَقِيلاً} مهيباً أو شديداً لما فيه من التكاليف.
{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} {إِنَّ نَاشِئَةَ اليل} القيام بعد النوم {هِىَ أَشَدُّ وَطْئاً} موافقة السمع للقلب على تفهم القرآن {وَأَقْوَمُ قِيلاً} أبين قولاً.
{إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)} {إِنَّ لَكَ فِى النهار سَبْحَاً طَوِيلاً} تصرفاً في إشغالك لا تفرغ فيه لتلاوة القرآن.
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} {واذكر اسم رَبِّكَ} أي قل «بسم الله الرحمن الرحيم» في ابتداء قراءتك {وَتَبَتَّلْ} انقطع {إِلَيْهِ} في العبادة {تَبْتِيلاً} مصدر بَتَّل جيء به رعاية للفواصل وهو ملزوم التبتل.
{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)} هو {رَّبُّ المشرق والمغرب لآ إله إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً} موكلاً له أمورك.
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)} {واصبر على مَا يَقُولُونَ} أي كفار مكة من أذاهم {واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً} لا جزع فيه وهذا قبل الأمر بقتالهم.
{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)} {وَذَرْنِى} اتركني {والمكذبين} عطف على المفعول، أو مفعول معه، والمعنى أنا كافيكهم. وهم صناديد قريش {أُوْلِى النعمة} التنعم {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} من الزمن فقتلوا بعد يسير منه ببدر.
{إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)} {إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً} قيوداً ثقالاً جمع نِكل بكسر النون {وَجَحِيماً} ناراً محرقة.
{وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} {وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ} يغص به في الحلق وهو الزقوم أو الضريع أو الغسلين أو شوك من نار لا يخرج ولا ينزل {وَعَذَاباً أَلِيماً} مؤلماً زيادة على ما ذكر لمن كذب النبي صلى الله عليه وسلم.
{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)} {يَوْمَ تَرْجُفُ} تزلزل {الأرض والجبال وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً} رملاً مجتمعاً {مَّهِيلاً} سائلاً بعد اجتماعه وهو من: هال يهيل، وأصله: مَهْيُول استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى الهاء، وحذفت الواو ثاني الساكنين لزيادتها وقلبت الضمة كسرة لمجانسة الياء.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)} {إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ} يا أهل مكة {رَسُولاً} هو محمد صلى الله عليه وسلم {شاهدا عَلَيْكُمْ} يوم القيامة بما يصدر منكم من العصيان {كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} هو موسى عليه الصلاة والسلام.
{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)} {فعصى فِرْعَوْنُ الرسول فأخذناه أَخْذاً وَبِيلاً} شديداً.
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)} {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ} في الدنيا {يَوْماً} مفعول «تتقون» أي عذابه أي بأيّ حصن تتحصنون من عذاب يوم {يَجْعَلُ الولدان شِيباً} جمع أشيب لشدّة هوله وهو يوم القيامة. والأصل في شين شيباً الضم وكسرت لمجانسة الياء. ويقال في اليوم الشديد: يوم يُشَيِّبُ نواصي الأطفال. وهو مجاز ويجوز أن يكون المراد في الآية الحقيقة.
{السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)} {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ} ذات انفطار أي انشقاق {بِهِ} بذلك اليوم لشدته {كَانَ وَعْدُهُ} تعالى بمجيء ذلك اليوم {مَفْعُولاً} أي هو كائن لا محالة.
{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)} {إِنَّ هذه} الآيات المخوفة {تَذْكِرَةٌ} عظة للخلق {فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً} طريقاً بالإيمان والطاعة.
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى} أقل {مِن ثُلُثَىِ اليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} بالجر عطف على «ثلثي» وبالنصب على «أدنى» وقيامه كذلك نحو ما أمر به أول السورة {وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الذين مَعَكَ} عطف على ضمير «تقوم» وجاز من غير تأكيد للفصل، وقيام طائفة من أصحابه كذلك للتأسي به، ومنهم من كان لا يدري كم صلى من الليل وكم بقي منه فكان يقوم الليل كله احتياطاً، فقاموا حتى انتفخت أقدامهم سنة أو أكثر فخفف عنهم. قال تعالى {والله يُقَدِّرُ} يحصي {اليل والنهار عَلِمَ أَن} مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي أنه {لَّن تُحْصُوهُ} أي الليل لتقوموا فيما يجب القيام فيه إلا بقيام جميعه وذلك يشق عليكم {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} رجع بكم إلى التخفيف {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان} في الصلاة بأن تصلوا ما تيسر {عَلِمَ أَن} مخففة من الثقيلة، أي أنه {سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الأرض} يسافرون {يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله} يطلبون من رزقه بالتجارة وغيرها {وَءَاخَرُونَ يقاتلون فِى سَبيِلِ الله} وكل من الفرق الثلاثة يشق عليهم ما ذكر في قيام الليل فخفف عنهم بقيام ما تيسر منه، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس {فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} كما تقدّم {وَأَقِيمُواْ الصلاوة} المفروضة {وَءَاتُواْ الزكاوة وَأَقْرِضُواْ الله} بأن تنفقوا ما سوى المفروض من المال في سبيل الخير {قَرْضًا حَسَنًا} عن طيب قلب {وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْراً} مما خلفتم. و«هو» فصل، وما بعده وإن لم يكن معرفة يشبهها لامتناعه من التعريف {وَأَعْظَمَ أَجْراً واستغفروا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} للمؤمنين.
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} {ياأيها المدثر} النبي صلى الله عليه وسلم وأصله المتدثر أدغمت التاء في الدال، أي المتلفف بثيابه عند نزول الوحي عليه.
{قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} {قُمْ فَأَنْذِرْ} خوِّف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا.
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} عظِّم عن إشراك المشركين.
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} عن النجاسة أو قصرها خلاف جرّ العرب ثيابهم خيلاء فربما أصابتها نجاسة.
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} {والرجز} فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالأوثان {فاهجر} أي دم على هجره.
{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} بالرفع حال، أي لا تعط شيئاً لتطلب منه أكثر وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم لأنه مأمور بأجمل الأخلاق وأشرف الآداب.
{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)} {وَلِرَبِّكَ فاصبر} على الأوامر والنواهي.
{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)} {فَإِذَا نُقِرَ فِى الناقور} نفخ في الصور وهو القرن النفخة الثانية.
{فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)} {فَذَلِكَ} أي وقت النقر {يَوْمَئِذٍ} بدل مما قبله المبتدأ وبني لإِضافته إلى غير متمكن. وخبر المبتدأ {يَوْمٌ عَسِيرٌ} والعامل في إذا ما دلت عليه الجملة أي اشتدّ الأمر.
{عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)} {عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ} فيه دلالة على أنه يسير على المؤمنين أي في عسره.
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)} {ذَرْنِى} اتركني {وَمَنْ خَلَقْتُ} عطف على المفعول أو مفعول معه {وَحِيداً} حال من من، أو من ضمير المحذوف من خلقت أي منفرداً بلا أهل ولا مال هو الوليد بن المغيرة المخزومي.
{وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)} {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً} واسعاً متصلاً من الزروع والضروع والتجارة.
{وَبَنِينَ شُهُودًا (13)} {وَبَنِينَ} عشرة أو أكثر {شُهُوداً} يشهدون المحافل وتسمع شهاداتهم.
{وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)} {وَمَهَّدتُّ} بسطت {لَهُ} في العيش والعمر والولد {تَمْهِيداً}.
{ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)} {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ}.
{كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16)} {كَلاَّ} لا أزيده على ذلك {إِنَّهُ كان لأياتنا} أي القرآن {عَنِيداً} معانداً.
{سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)} {سَأُرْهِقُهُ} أكلفه {صَعُوداً} مشقة من العذاب أو جبلاً من نار يصعد فيه ثم يهوي أبداً.
{إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)} {إِنَّهُ فَكَّرَ} فيما يقول في القرآن الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم {وَقَدَّرَ} في نفسه ذلك.
{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)} {فَقُتِلَ} لعن وعذب {كَيْفَ قَدَّرَ} على أي حال كان تقديره.
{ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)} {ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ}.
{ثُمَّ نَظَرَ (21)} {ثُمَّ نَظَرَ} في وجوه قومه أو فيما يقدح به فيه.
{ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)} {ثُمَّ عَبَسَ} قبض وجهه وكلحه ضيقاً بما يقول {وَبَسَرَ} زاد في القبض والكلوح.
{ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)} {ثُمَّ أَدْبَرَ} عن الإِيمان {واستكبر} تكبر عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
{فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)} {فَقَالَ} فيما جاء به {إن} ما {هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} ينقل عن السحرة.
{إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} {إن} ما {هذا إِلاَّ قَوْلُ البشر} كما قالوا إنما يعلمه بشر.
{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)} {سَأُصْلِيهِ} أدخله {سَقَرَ} جهنم.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)} {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} تعظيم لشأنها.
{لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)} {لاَ تُبْقِى وَلاَ تَذَرُ} شيئاً من لحم ولا عصب إلا أهلكته ثم يعود كما كان.
{لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)} {لَوَّاحَةٌ لّلْبَشَرِ} محرقة لظاهر الجلد.
{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)} {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} ملكاً خزنتها. قال بعض الكفار وكان قوياً شديد البأس أنا أكفيكم سبعة عشر واكفوني أنتم اثنين.
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)} قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إِلاَّ مَلَئِكَةً} أي فلا يطاقون كما يتوهمون {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} ذلك {إِلاَّ فِتْنَةً} ضلالاً {لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} بأن يقولوا لم كانوا تسعة عشر؟ {لِيَسْتَيْقِنَ} ليستبين {الذين أُوتُواْ الكتاب} أي اليهود صِدق النبي صلى الله عليه وسلم أنها تسعة عشر الموافق لما في كتابهم {وَيَزْدَادَ الذين ءَامَنُواْ} من أهل الكتاب {إيمانا} تصديقاً لموافقة ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم لما في كتابهم {وَلاَ يَرْتَابَ الذين أُوتُواْ الكتاب والمؤمنون} من غيرهم في عدد الملائكة {وَلِيَقُولَ الذين فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شك بالمدينة {والكافرون} بمكة {مَاذَا أَرَادَ الله بهذا} العدد {مَثَلاً} سموه لغرابته بذلك وأعرب حالاً {كذلك} أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدِّقه {يُضِلُّ الله مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} أي الملائكة في قوّتهم وأعوانهم {إِلاَّ هُوَ وَمَا هِىَ} أي سقر {إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ}.
{كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)} {كَلاَّ} استفتاح بمعنى ألا {والقمر}.
{وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)} {واليل إِذْ} بفتح الذال بعدها همزة {أَدْبَرَ} أي مضى وفي قراءة (إذا دبر) بفتح الذال جاء بعد النهار. وفي قراءة «إذْ أدبر» بسكون الذال بعدها همزة: أي مضى.
{وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} {والصبح إِذَا أَسْفَرَ} ظهر.
{إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)} {إنَّهَا} أي سقر {لإِحْدَى الكبر} البلايا العظام.
{نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)} {نَذِيراً} حال من إحدى وذكر لأنها بمعنى العذاب {لِّلْبَشَرِ}.
{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)} {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ} بدل من البشر {أَن يَتَقَدَّمَ} إلى الخير أو إلى الجنة بالإِيمان {أَوْ يَتَأَخَّرَ} إلى الشر أو النار بالكفر.
{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)} {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} مرهونة مأخوذة بعملها في النار.
{إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)} {إِلاَّ أصحاب اليمين} وهم المؤمنون فناجون منها كائنون.
{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40)} {فِى جنات يَتَسَاءَلُونَ} بينهم.
{عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)} {عَنِ المجرمين} وحالهم ويقولون لهم بعد إخراج الموحدين من النار.
{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)} {مَا سَلَكَكُمْ} أدخلكم {فِى سَقَرَ}؟
{قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)} {قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ المصلين}.
{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)} {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المسكين}.
{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)} {وَكُنَّا نَخُوضُ} في الباطل {مَعَ الخائضين}.
{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)} {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدين} البعث والجزاء.
{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)} {حتى أتانا اليقين} الموت.
{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} {فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين} من الملائكة والأنبياء والصالحين والمعنى لا شفاعة لهم.
{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)} {فَمَا} مبتدأ {لَهُمْ} خبره متعلق بمحذوف انتقل ضميره إليه {عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} حال من الضمير والمعنى أيّ شيء حصل لهم في إعراضهم عن الاتعاظ؟
{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)} {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} وحشية.
{فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)} {فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} أسد أي هربت منه أشدّ الهرب.
{بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)} {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امرئ مِّنْهُمْ أَن يؤتى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً} أي من الله تعالى باتباع النبي كما قالوا {حَتَّى تُنَزِلَ عَلَيْنَا كتابا نَقْرَؤُهُ} [93: 17].
{كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53)} {كَلاَّ} ردع عما أرادوه {بَل لاَّ يَخَافُونَ الأخرة} أي عذابها.
{كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)} {كَلاَّ} استفتاح {إنَّهُ} أي القرآن {تَذْكِرَةٌ} عظة.
{فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)} {فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ} قرأه فاتعظ به.
{وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)} {وَمَا يَذْكُرُونَ} بالياء والتاء {إِلاَّ أَن يَشَاء الله هُوَ أَهْلُ التقوى} بأن يُتَّقَى {وَأَهْلُ المغفرة} بأن يَغْفِرَ لمن اتقاه.
|